هاهو نقاش وحوار يثوران حول عمل فنى معاصر ، تقوم أحدى القنوات الفضائية بإذاعته والدعاية له ، عمل فنى أثار من المناقشات مالم يكن لغيره من الأعمال المعروضة على القنوات الفضائية زمنا معاصرا ، والعمل الذى أعنيه هو مسلسل يوسف الصديق عليه السلام ، فقد أعترض البعض على تجسيد شخص سيدنا يوسف عليه السلام ، وبل ودعى إلى تحريم ذلك التشخيص والتجسيد ، ومن هنا ومن بين طيات النقاش ينبرى أحدهم قائلا :
لا أعرف من أين أتى البعض بتحريم تجسيد الأنبياء والقديسين والصحابة ، ونحن من يعرف أنهم بشر قد أرسلهم الله لهداية الناس. بل أننى أرى العكس لأن تجسيدهم ورؤية ماعملوه قد يخدم قضية الدين ؟
وهنا رددت عليه قائلا :
أن قضية الدين هى قضية إيمان بغيب !! ولقد أتى التحريم من حقيقة تجسيد الأشخاص ، فإذا هم من الممثلين الذين ينتشرون فى الأرض ، ولسوف تأتى مسلسلات تالية برؤى فنية جديدة ، وأشخاص جدد تمثل أدوارا لسيدنا : يوسف عليه السلام وزوجه (ر) ، وتجسد حلول الوحى كما قد رأيت ، ولسوف تعطى الفرصة لظهور أشخاص جدد بالطبع ، فأيهم هو من يمثل شخص سيدنا يوسف (ع) أهو هذا أم ذاك من الممثلين ، ثم أن مارأيت فى المسلسل ليس كما كان ماثلا زمنا ماضيا لمثل هذه الحادثات ولايمكن التعبير بنفس الطلاقة للأحداث والأشخاص كما كان قائما وقتها ؟؟
فقال مستأنفا حديثه:
لقد كان المسلسل موفقا فى التعبير عن الناس والأحداث والمواقف ، فهل هناك ثم اختلاف عن الواقع الذى تم التعبير عنه تمثيلا وتجسيدا رائعين ؟
قلت من فورى وبلا تفكير مسبق:
لقد أعطى المسلسل سقفا وحدا معينا لشخصية سيدنا: يوسف(س) فشخص الممثل ليس هو نفسه شخص سيدنا يوسف تماما كما رأيت ، ولك دليلا حاضرا ، فهل الممثل الذى قام بالدور الرئيس هو من تُقطع النسوة أيديهن إذا رأينه وأكبرنه كما فعلن مع يوسف ، هل هو بنفس جماله الملائكى الآخاذ _ رغم وسامته البادية _ أما عن زوج يوسف ، وبعد أن رأيتها عيانا (كممثلة) ألا يحتمل أن يُعجبك جمالها ، وهنا يكون قد وقع المحظور...لماذا ؟؟ لأن شأنها ليس كشأن باقى النساء !!! لماذا ؟؟ لأنها ببساطة زوجة لنبى (ولاتأليه طبعا) ، ونبى لمن ؟؟ لله رب العالمين، وكذلك الحال نسبة لأزواج النبى محمدا (ص) إذا تم تجسيد أشخاصهن. أن زوجاته هن أمهات المؤمنين ، ثم أن هذا يؤذى النبى(ص) ، أولئك الذين قال الله عز من قائل بحقهن
يانساء النبى لستن كأحد من النساء).
وماذا عن الوحى: أنه هنا يأتينا فى صورة رجل ،،، لابأس ، ولكن هل هذا هو الوحى فعلا ، أنه مجرد رجل (عادى) ولقد رأيناه بأعيننا ، إذن فلقد قَدْرنَا عليه ، ،وهان علينا أمره (حاشا لله طبعا) ، وأنت تعلم أن جبريل هو صاحب الوحى ، وهو ملك عظيم كانت تصل أجنحته حال ملائكيته إلى منتهى الأفق ، فهو مخلوق عظيم إلى درجة لايستطيع تخيلها عقلنا البشرى المتواضع ، وهو أى المَلّك ، إن تجسد كهيئة رجل زمن البعثة ، فلن يكون إلا فى صورة ملائكية لاتخطئها العين ، وكان صحابة النبى يعرفون أنه المَلـّك حقا وصدقا وهذا لم نره حقا ولئن جسدناه تمثيلا فلقد فاتنا الكثير والكثيرمن الحقيقة ، ولبدا الأمر ساذجا بشكل لايوصف ، وسوف يقول أصغرنا ، أهذا هو الملاك !! والنتيجة لن تكون فى صالح العقيدة!!
وهنا قال محدثى :
هل أفهم أن الدين غير معنى بالتجسيد من الأساس ؟
قلت لمحدثى :
بصفة عامة الدين الإسلامى يرفض التجسيد ، لأنه يعنى ضياع الحقيقة ، ولك برهانا تاليا قولا من رب العالمين [(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) س.البقرة صدق الله العظيم] .
فالإسلام هو أن تؤمن بالغيب ، وكل مالم تره عيناك ، هو غيب ومابقى لنا من الغيب هوالأثر الباقى من قرآن وسنة.
وهنا تدخل أحد الحاضرين معترضا وقائلا:
أن الآية الأخيرة التى أستشهدت بها تتحدث عن الإيمان بالغيب والفتوى أتت فى غير موضعها، أما الأنبياء فالناس يَرَوْنَهُم ، وهم أولا وأخيرا من البشر ولاتتضمنهم الآية الكريمة التى ذكرتها !!
وهنا قلت من فورى :
أولا: نسبة لموضوع الفتيا فأنا لم أتعرض لها إطلاقا ، وإنما ماقلته هو أن قضية الدين هى قضية إيمان بالغيب ، وإذا لم تكن كذلك ، لأستفاض معاصرى الرسول (ص) طلبا كى يروا بأعينهم كل شىء ، يروا الله أولا(أستغفر الله) والملائكة قبيلا ، ثم الشياطين ، فالجان أو العفاريت ، بل ولهم أن يطلبوا وصفا لكل هؤلاء من النبى ، وهو من رءاهم ....ومع ذلك وفى مجال الوصف فلم يرد منه إلا قليلا وعلى قدر ماتسع عيون وقلوب الناس وقتها ،،
هيا نسترسل أكثر ، هل زرت الكعبة والمسجد النبوى ، هل رأيت بهما صورا لأشخاص؟ لا..لايوجد..لماذا ؟ لأن الدين الإسلامى غير معنى بهذا ، وإلا كنت سترى فى كل مسجد أو جامع صورا للصحابة والتابعين ،إذن قضية التجسد ، لاتعنينا نهائيا ؟؟
نفس الأمر لمّا حدث فى الماضى ، لقد كانت هناك عبادة للأوثان ، إذن كيف نشأت ؟
نشأت حينما أغوى الشيطان سلفا أحدهم بأن يخلد ذكرى أحد العابدين بإقامة تمثال أو منحوتة له ، بحيث لاينساه قومه، ولما طال الأمد إذا بالعقيدة (التوحيد) تنحرف عن الفطرة ويتمادى القوم عبادة للأصنام ، بل ويحدث تشعيب ، وتتخذ كل قبيلة صنما تدافع هى عنه وليس العكس اعتبارا من كونه إلاه !!!! والمسألة لاتخلوا من جانب مادى ، حيث كان يُجلب لهذا الأصنام قرابين من كل شىء. يستفيد منها رب أو صاحب هذه الأصنام !!! أو الذى قام بنحتها ، وإلا لماذا ينحتها من الأساس.
ثانيا :هل يمكنك تخيل جنة عرضها كعرض السموات والأرض ، أوشجرة يسير الناس فى ظلها لمائة عام ، أو جناحا لمَلكّ -ريشة منه فقط- تحمل قرية لوط الآثمة ، وتهوى بها من السماء إلى الأرض ، فى طرفة عين ، هل يمكن لفنيات العمل الحديثة أن تأتى لنا بنفس قوة الصيحة التى أنهت حياة قوم صالح ، لو حدث هذا لهلكنا نحن أولا قبل أن نغادر مقاعدنا !!! من حقيقة كوننا بشر كأمثال القوم بل أضعف منهم ، بنص القرآن الكريم. الآيات (أفلم يسيروا فى الأرض ....) ص.ا.ع
ومع ذلك ومع كل ماقيل سوف تلاحظ أننى لم أتعرض لفنيات العمل بالمسلسل إطلاقا ، فهذه قضية أخرى...أليس كذلك ؟؟؟