آل ياسر

" أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة "


******


وأرسلت الشمس أشعتها الأخيرة على الصحراء الممتدة ، وهبت الرياح ندية رقيقة ، وحادي القافلة

ينشد أناشيده الصحراوية في هذا السكون العميق - وسارت النوق في منعرجات دقيقة وأودية يكسوها

أحيانا ً نوع من الشوك والعوسج ، وأحيانا ً تبدو جرداء قاحلة - وسارت القافلة ردحا ً من الليل حتى إذا ما

أحس كثير من رجالها بالتعب استقروا في واد من الأودية المنتشرة وأخذ السحار يسحرون وأخذ أصحاب

تجارة هذه القافلة يفكرون فيما سيبيعونه غدا ً في البيت العتيق من أشراف قريش وتجارها ، وما سيعودون

به من ربح طائل من سدنة الكعبة المعظمة ، وفوق ذلك ما سيتمتعون به من ترف ونعيم ولهو في حياة كلها لهو

وفسق ... وانتحى القوم أفراد ثلاثة لم يكن يشغلهم ما يشغل القوم من حديث ، ولم يكونوا يؤملون ما يؤمل بقية

رفقائهم في رحلتهم الطويلة ، وإخرج ياسر بن عامر وأخواه الحرث ومالك من اليمن لا لمال ولا لمتاع إنما للبحث

عن أخ مفقود خرج من قبيلته في اليمن ثم انقطعت عنهم أخباره وكانوا يأملون أملا ً قويا ً أنهم سيجدونه في

مكة وهي ملتقى العرب جميعا ً .

وهدأت الحركة قليلا ً ، إذ غفا كثير من المسافرين ؛ فلما أشرقت الشمس تنادى القوم ، وهب النائمون من

رقادهم ، وسارت القافلة مرة أخرى في جد واهتمام طيلة اليوم فإنه لم يعد بينها وبين مكة سوى ساعات قليلة


***********

...... وأشرفت القافلة على بيت إبراهيم ، وتصايح الرجال ، واختلطت أصواتهم وخرجت قريش لاستقبال القافلة ،

فقد كان فيها شيء كثير من تجارتهم وعدد كبير من رجالهم وأبنائهم ، وانتشر اليمنيون بين القرشيين ، يبيعونهم

ويتبايعون منهم ، ويشاركون في حياتهم المتحللة الفاجرة . أما ياسر وأخواه فقد شغله عن كل هذا ما أتوا لأجله،

فبحثوا كثيرا وتنقلوا بين أحياء مكة ومساكنها ،وبين أسواقها وبواديها ، حتى إذا ما أعجزهم البحث وآن للقافلة

العودة إلى بلدها أسرع الإخوة إليها ، فقد هاجمهم الحنين إلى بلدهم الخصب ، ولكن ياسرا ً استهوته حياة مكة

فعزم على الاستقرار بها - فلما حان للقافلة أن تؤوب لم يكن ياسر بين رجالها ، فلقد ودع أخويه مصرا ً على الحياة

الحياة في مكة وفي جوار بيتها ، ولكن لم يكن لياسر قبيلة تدافع عنه و تؤويه ، وتمنع عنه مظالم الطغاة من

رجال القبائل ، وكانت الحياة في الجزيرة العربية يسيطر عليها القانون الوحشي " الحياة للأقوى" فلم يكن

للضعيف سوى الاستعباد والذل ، فلجأ إلى سراة بني مخزوم محالفا أبا حذيفة بن المغيرة ، ليدفع عنه عادية

البطون الأخرى من قريش - وقد زوجه أبو حذيفة أمة له هي سمية بنت خياط فولدت له عمارا ً وعبد الله ، وسارت

بهم الحياة في كنف بني مخزوم رقيقة لا جدب فيها ولا عسر ، وتقدم ياسر في العمر كما اكتملت رجولة عمار.