في
19 نوفمبر (تشرين الثاني)
1967 وصل إبراهيم وانشراح إلى القاهرة بواسطة
الصليب الأحمر الدولي، فمنحته الحكومة سكنا مجانيا موقتا بحي المطرية، ثم أعيد إلى وظيفته بعدما نقلت محافظة سيناء مكاتبها من العريش إلى القاهرة، وبعدما استقرت الأمور به قليلا، انتقل إلى حي الأميرية، ومن خلال المحيطين به في السكن والعمل بدأ إبراهيم في جمع المعلومات وتصنيفها، وكانت زوجته تساعده في كتابة رسائله بالحبر السري، وتكتب بالخطابات أنها شريكته في كل صغيرة وكبيرة، وكان بدوره يختم كل رسائله بعبارة «تحيا إسرائيل العظمى»!
بدأ إبراهيم يبحث عن غطاء للرخاء الذي ينعم به، فاتجه إلى تجارة الملابس والأدوات الكهربائية، وبواسطة المال والهدايا كان يتغيب كثيرا عن عمله من دون لومة لائم، وكانت رسائله لمكتب الموساد في روما لا تنقطع، مما حدا رجال الموساد على دعوته وزوجته إلى روما لاستثمارهما في مهام أكثر أهمية.
في أغسطس (آب) 1968، وتحت ستار التجارة، أبحر إبراهيم وزوجته على لبنان، ومنها طارا إلى روما حيث التقيا بمندوب
الموساد، الذي سلمهما وثيقتي سفر إسرائيليتين باسم «موسى عمر» و{دينا عمر»، وعلى طائرة العال الإسرائيلية طار الخائن وزوجته إلى تل أبيب حيث كان وفد من ضباط الموساد في استقبالهما بمطار اللد.
استُقبل الاثنان بحفاوة بالغة، شأن استقبال الموساد لعملائهم كلهم، وعوملا معاملة كبار الزوار، ونزلا في فيلا رائعة في تل أبيب لمدة ثمانية أيام، حصلا خلالها على دورة مكثفة في تحديد أنواع الطائرات والأسلحة والتصوير الضوئي وجمع المعلومات، ومنح إبراهيم رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي باسم «موسى»، أما انشراح فقد منحت رتبة ملازم أول باسم «دينا».
في مقابلة مع أحد القيادات العليا في الموساد، طلبت انشراح زيادة مخصصاتهما وأكدت صعوبة الدور الذي يقومان به في سبيل جمع المعلومات وتصنيفها، ونظرا إلى أهمية المعلومات التي حصل الموساد عليها منهما، تقرر لهما مكافأة سخية. عادا من رحلتهما بآلاف الدولارات، وزاد نشاطهما في عمل العلاقات وجمع المعلومات، وإرسال كل جديد أولا بأول للموساد، وكانت مصر وقتها تخوض حرب الاستنزاف، والطيران الإسرائيلي يصل إلى عمق البلاد ويضرب الأهداف والمنشآت المدنية، فكان إبراهيم وزوجته يدوران ويصوّران المنشآت والمصانع ويرسلان الصور مع خريطة تفصيلية للمكان بمساعدة السيارة الجديدة التي اشتراها بأموال الموساد.
عام 1997 نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية حوارا مع عادل ابنهما الأصغر، قال فيه: لن أنسى ذلك اليوم الملعون من صيف عام 1969 طيلة حياتي، فقد استيقظت مبكرا على صوت همسات تنبعث من حجرة نوم والدي، كان أبي وأمي مستغرقين في نقاش غريب، وكانت أمي تمسك في يدها حقيبة جلدية، بينما كان أبي يحاول إدخال آلة تصوير إلى داخلها، لم أر مثلها من قبل في ذلك الحين، وكانت أمي في غاية العصبية، وتقول له: لا ليس كذلك... سيرون الكاميرا، فأخرج أبي الكاميرا وأدخلها مرات ومرات في الحقيبة، فجلست أنظر إليهما وهما يتناقشان، ثم قال لي أبي: «نحن ذاهبون في رحلة إلى الإسكندرية»، وكان الوالد والوالدة في غاية القلق، ولم أرهما سابقا متوترين هكذا، وبدأنا رحلتنا بالسيارة، وكان أبي يتصبب عرقا كلما ابتعدنا عن القاهرة، إلى أن بلل العرق قميصه تماما، وكان يتبادل الكلمات مع أمي بصعوبة، وصمتنا نحن أيضا لشعورنا بأن تلك الرحلة ليست ككل رحلة. في تلك الفترة كانت هناك قواعد عسكرية ومصانع حربية منتشرة حول الطرق الرئيسة في مصر، فلم تخف الدولة شيئا ربما كنوع من استعراض القوة، وعندما بدأنا في الاقتراب من إحدى القواعد العسكرية أخرجت أمي آلة التصوير وأمرها أبي قائلا: «صوري، يللا صوري بسرعة»، فقالت له وأصابعها ترتعش «سنذهب إلى الجحيم بسببك». حركت أمي السترة المعلقة على النافذة وبدأت التصوير، وامتلأت السيارة الصغيرة بصرخاتها الممزوجة بالخوف، فأجابها أبي باللهجة نفسها: «إنها نهايتنا...»، واستمرت أمي في احتجاجاتها قائلة: «سنذهب إلى السجن»، وفي النهاية نظر إليها أبي بعيون متوسلة: «صور عدة أخرى... صور عدة أخرى فحسب».
حاول شقيقي محمد أن يسأل: «ما الذي يحدث؟»، لكن الرد الذي تلقاه كان «أسكت»، فلم نسأل أية أسئلة أخرى بعد ذلك، وعدنا إلى البيت في ذلك اليوم، وفورا أغلق أبي باب حجرته على نفسه، وبعد فترة طويلة خرج وعانق أمي وقال لها: «يا حبيبتي لقد التقطت صوراً رائعة للغاية»، وقالت أمي: «إلى هنا يجب أن نشرح الأمر للأولاد»، وكنا ما زلنا في صدمة وغير مدركين لما يحدث.
تحولت الرحلات الأسرية في أنحاء مصر إلى روتين، فكنا نخرج في نهاية كل أسبوع إلى مدينة جديدة... وكنا نسافر إلى الأقصر وأسوان.. ليس من مكان لم نذهب إليه، وأحيانا كان أبي يحصل على إجازة وسط الأسبوع ونسافر لأيام عدة، وكان يصوّر قواعد ومنشآت عسكرية في مصر، ويسجل عدد الكيلومترات في الطريق، وبذلك يحدد موقع المصانع والقواعد العسكرية... وكنا نحن الأولاد أفضل تغطية.
[عدل] بداية النهايةتصادف أن سافرت انشراح وحدها إلى روما يوم
5 أكتوبر وقابلها أبو يعقوب يوم
7 أكتوبر وأمطرها بسيل من الأسئلة عن الحرب وأتضح أنها لا تعرف شيئا. أخبرها أبو يعقوب إن الجيش المصري والسوري هجما على إسرائيل وان المصريين عبروا القناة وحطموا
خط بارليف، وأمرها بالعودة فورا إلى مصر.
قي بداية عام 1974 سافر إبراهيم إلى تركيا ومنها إلى اليونان ثم إلى تل أبيب وحضر اجتماعا خاصا على مستوى عال مع قيادات المخابرات الإسرائيلية الجديدة بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بالقيادات السابقة. خضع إبراهيم للاستجواب حول عدم تمكنه من معرفة ميعاد الحرب وأجاب إبراهيم انه لم يلحظ شيئا غير عادي بل أن قريبا له بالجيش المصري كان يستعد للسفر للعمرة، وانه حتى لو كان يعلم بالميعاد فليس لدية أجهزة حديثة لإرسال مثل تلك المعلومات الهامة.
استضاف نائب مدير المخابرات الإسرائيلية إبراهيم وابلغه بأنه سيتم منحه جهاز إرسال متطور ثمنه 200 ألف دولار وهو أحدث جهاز إرسال في العالم ملحق به حاسوب صغير في حجم اليد له أزرار إرسال على موجه محددة واخبره كذلك أن راتبه الشهري قد تم رفعة إلى ألف دولار إضافة إلى مكافأة مليون دولار في حالة أخبارهم عن موعد الحرب القادمة التي ستشنها مصر بواسطة الفريق
سعد الشاذلي!.
قامت المخابرات الإسرائيلية بتوصيل الجهاز المتطور بنفسها إلى مصر خشية تعرض إبراهيم للتفتيش، وقامت زوجته بالحصول على الجهاز من المكان المتفق علية عند الكيلو 108 طريق السويس وهى المنطقة التي تعرضت ل
ثغرة الدفرسوار.
بمجرد وصول انشراح للقاهرة اعدوا رسالة تجريبية ولكنهم اكتشفوا عطلا في مفتاح الجهاز وبعد فشل إبراهيم في إصلاحه توجهت انشراح إلى تل أبيب للحصول على مفتاح جديد. لم يدر بخلد انشراح أن المخابرات المصرية التقطت رسالة لها عبر جهاز روسي حديث يسمى "صائد الموجات" وذلك أثناء تدريبها وتجربتها للجهاز الجديد.
أيقن رجال المخابرات المصرية أنهم بصدد الإمساك بصيد جديد، ووضع منزل إبراهيم تحت المراقبة وتم اعتقاله صباح
5 أغسطس 1974 مع ولديه وانتظارا لوصول انشراح من تل أبيب أقام رجال المخابرات المصرية بمنزل إبراهيم لثلاثة أسابيع كاملة، وبمجرد وصولها استقبلها رجال المخابرات المصرية وزج بهم جميعا إلى السجن. كانت المخابرات الإسرائيلية قد بثت رسائل بعد عودة انشراح من إسرائيل واستقبلها رجال المخابرات المصرية على الجهاز الإسرائيلي بعد أن ركبوا المفاتيح، ووصل الرد من مصر.
" أن المقدم إبراهيم شاهين والملازم أول انشراح سقطا بين أيدينا.. ونشكركم على إرسال المفاتيح الخاصة بالجهاز.. كنا في انتظار وصولها منذ تسلم إبراهيم جهازكم المتطور. تحياتنا إلى السيد
إيلي زئيرا مدير مخابراتكم"
تمت محاكمة الخونة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وأصدرت المحكمة حكمها بإعدام إبراهيم وانشراح بينما حكم على ابنهما الأكبر نبيل بالأشغال الشاقة وأودع الولدان محمد وعادل بإصلاحية الأحداث نظرا لصغر سنهما، ونفذ حكم الإعدام في إبراهيم شاهين شنقا، بينما تم الإفراج عن انشراح وابنها بعد ثلاث سنوات من السجن في عملية تبادل للأسرى مع بعض أبطال حرب أكتوبر.
نشرت صحيفة يدعوت احرونوت عام 1989 موضوعا عن انشراح وأولادها قالت فيه: أن انشراح شاهين (دينا بن دافيد) تقيم الآن مع اثنين من أبنائها بوسط إسرائيل وهما محمد وعادل بعد أن اتخذت لهما أسماء عبرية هي حاييم ورافي أما الابن الأكبر نبيل فقد غير اسمه إلى يوشي.
وتقول الصحيفة أن دينا بن دافيد تعمل عاملة في دورة مياه للسيدات في مدينة حيفا وفى أوقات الفراغ تحلم بالعودة للعمل كجاسوسة لإسرائيل في مصر!، بينما يعمل ابنها حاييم كحارس ليلي بأحد المصانع، أما الابن الأكبر فلم يحتمل الحياة في إسرائيل وهاجر هو وزوجته اليهودية إلى كندا حيث يعمل هو وزوجته بمحل لغسل وتنظيف الملابس